تاريخ مدينة مكناس: الذاكرة الحجرية للإمبراطورية الشريفة

المحتويات عرض

تنتصب مدينة مكناس الإسماعيلية فوق هضبة سايس الخصبة كوثيقة حجرية عملاقة، تروي فصولاً ملحمية من تاريخ الغرب الإسلامي. إنها المدينة التي اختارها السلطان المولى إسماعيل لتكون مسرحاً لطموحه الإمبراطوري، متحدياً بها عواصم العالم في القرن السابع عشر، ومنافساً لويس الرابع عشر في عظمة البنيان وقوة السلطان.1 مكناس ليست وليدة اللحظة الإسماعيلية فقط. هي تراكم حضاري يمتد لجذور عميقة في التاريخ الأمازيغي والإسلامي. تعاقبت عليها الدول من المرابطين إلى العلويين. تركت هذه الدول بصمات لا تُمحى. المجتمع الدولي، ممثلاً في اليونسكو، صنف مكناس تراثاً إنسانياً عالمياً.1

النقاط الأساسية

  • تاريخ مدينة مكناس يمتد من العصور الأمازيغية إلى الفترة الإسماعيلية، حيث أصبحت عاصمة المغرب.
  • تأسست مكناس كحصن عسكري عام 1061م، وتطور عمرانيًا خلال العهد الموحدي والمريني.
  • المولى إسماعيل نقل العاصمة إلى مكناس عام 1672م، وأسست المدينة كقوة عسكرية مركزية.
  • تعكس العمارة في مكناس التقاليد العسكرية والفنية، مع معالم مشهورة مثل باب المنصور وهري السواني.
  • مكناس مُدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ 1996، مما يعكس قيمتها الثقافية والتاريخية العالمية.

إن هذا التقرير البحثي الموسع لا يكتفي بسرد الأحداث. بل يغوص في عمق “الظاهرة المكناسية”. يحاول تفكيك شفرة اسمها المثير للجدل. يتتبع مسار تحولها من “تاكرارت” العسكرية إلى “الحاضرة الإسماعيلية” المترفة. يشَرِّح مآثرها المعمارية التي تمزج بين الهاجس الأمني والذوق الفني الرفيع. لذلك سننتقل عبر الزمن لنفهم كيف تحولت هذه الرقعة الجغرافية إلى عقدة مواصلات استراتيجية كما أنها صارت مخزناً لغذاء المغرب وسلاح جيشه. ونسجت حول معالمها أساطير الجن والإنس.علاوة على ذلك فلا تزال هذه الأساطير تتردد في جنبات “حبس قارة” وأروقة “باب المنصور”.4

وثائقي مكناس … عاصمة مولاي إسماعيل التي ظلمها السلاطين من بعده وحاربها الفرنسيون بالخمور فقهرتهم

الفصل الأول: جدلية التسمية والجذور الإثنوغرافية

تعتبر قضية تسمية المدن في المغرب مدخلاً أساسياً لفهم تركيبتها السكانية وتطورها التاريخي. وفي حالة مكناس، نحن أمام جدلية لغوية وتاريخية تعكس التنوع الثقافي للمنطقة.

1.1 لغز الاسم: بين “مكناسة” الزناتية و”الكناس” البيئي

تتجاذب أصل تسمية “مكناس” نظريتان رئيسيتان، ورغم اختلاف منطلقاتهما، إلا أنهما تتكاملان لرسم صورة المنطقة قبل التحضر الكامل.

النظرية الأولى: الجذور القبلية الأمازيغية (المسار التاريخي)

تُشير أغلب المصادر التاريخية والتحليلات الأنثروبولوجية إلى أن اسم المدينة مشتق بشكل مباشر من اسم القبيلة الأمازيغية المؤسسة “مكناسة”. هذه القبيلة هي فرع أصيل من مجموعة “زناتة” الكبرى (البتر)، والتي عرفت بحركيتها الواسعة في شمال إفريقيا. لغوياً، يُرجح أن اللفظ الأصلي هو “أمناكسن” أو “أمكناسن” بصيغة الجمع في الأمازيغية. هذه الكلمة حُرفت وعُربت لاحقاً لتصبح “مكناسة”. ثم خُففت الكلمة إلى “مكناس”.

ما يدعم هذه الفرضية بقوة هو الانتشار الجغرافي الواسع لهذا الاسم في ربوع المغرب العربي (شمال إفريقيا). هناك مناطق تحمل اسم “مكناسة” في الشرق المغربي والغرب الجزائري. تظهر أيضًا في تونس وليبيا. هذا يؤكد أن الاسم مرتبط بترحالات واستقرار فروع هذه القبيلة الزناتية المحاربة. الاسم ليس مجرد وصف جغرافي محلي. إن ارتباط المكان بالإنسان (القبيلة) هو نمط سائد في تسمية المدن المغربية العتيقة.4

النظرية الثانية: الاشتقاق العربي والبيئة الطبيعية (المسار اللغوي)

على الجانب الآخر، يطرح بعض المؤرخين واللغويين فرضية ترتكز على العربية الفصحى وخصائص البيئة المحلية. يربط هؤلاء الاسم بكلمة “الكناس”، التي تعني في المعجم العربي الموضع الخصب، شديد الخضرة وكثيف الأشجار، الذي تلجأ إليه الوحوش والغزلان للاستتار (الاكتناس). ونظراً لأن منطقة مكناس تاريخياً كانت غنية بالمياه والعيون (مثل واد بوفكران) والغطاء النباتي الكثيف، فقد كانت مرتعاً مثالياً للصيد.

يرى أصحاب هذه النظرية بُعداً لهجياً مثيراً للاهتمام. يشيرون إلى أن بعض القبائل العربية وفدت إلى المنطقة، خصوصاً تلك التي ذات الأصول اليمنية (الحميرية). كانت هذه القبائل تستخدم الميم بدلاً من “أل” التعريف في لهجتها (ظاهرة الطمطمانية أو ما شابهها). لذلك، تحولت “الكناس” إلى “مكناس”. ورغم طرافة هذا الطرح ومنطقيته البيئية، إلا أن قوة الحضور القبلي لـ “مكناسة” في كتب التاريخ (مثل ابن خلدون) تجعل الكفة تميل للنظرية الأمازيغية. لا يمكن استبعاد أن العرب الوافدين قد استساغوا الاسم لقربه من “الكناس” في لغتهم.4

من أشهر الأبيات التي ذكرت مكناس بيت زجلي أندلسي قديم جداً يقول:

شويخ من أرض مكناس، على بغلة شهباء، يطل من نافس، ويقول السلام عليكم

1.2 الموقع الاستراتيجي: “القفل والمفتاح”

لم يكن استقرار قبيلة مكناسة في هذا الموقع عبثياً. تقع مكناس الإسماعيلية في منطقة تماس جغرافي حيوي بين جبال الأطلس المتوسط (خزان المياه والمراعي). كما تقع بين مقدمة جبال الريف. وهي تتوسط الطريق السلطاني الرابط بين فاس (العاصمة العلمية) والرباط (الساحل الأطلسي). هذا الموقع جعلها “قفل” الممر. فمن يسيطر على مكناس يتحكم في طرق القوافل التجارية ومحاور التحرك العسكري. كما يشرف على سهل سايس الذي يعد “مطمورة” المغرب الفلاحية.4

الفصل الثاني: التاريخ التأسيسي.. من الحصن المرابطي إلى الإشعاع المريني

خلافاً للاعتقاد السائد الذي يختزل تاريخ مكناس في الفترة العلوية، فإن المدينة تمتلك سجلاً حافلاً يمتد لقرون قبل وصول المولى إسماعيل.

2.1 النواة الأولى: حصن “تاكرارت” (القرن 11م / العصر المرابطي)

يمكن تأريخ الولادة الحقيقية لمكناس كتجمع حضري عسكري بسنة 1061م (453هـ). في خضم زحف المرابطين من الصحراء لتوحيد المغرب، أدركوا الأهمية الاستراتيجية للموقع. فأسسوا حصناً عسكرياً وسموه “تاكرارت” (Tagrart). هذا المصطلح الأمازيغي يعني “المعسكر” أو “الثكنة”.1

كانت وظيفة “تاكرارت” في البداية عسكرية بحتة: تأمين خطوط الإمداد ومراقبة القبائل المجاورة. ومع مرور الوقت، بدأ السكان يتجمعون حول هذا الحصن طلباً للأمن والفرص التجارية، مما شكل النواة الأولى للمدينة.3

2.2 الهندسة الموحدية: الماء والعبادة (القرن 12م)

مع صعود الدولة الموحدية، شهدت مكناس تطوراً عمرانياً نوعياً. استفاد الموحدون من وفرة المياه في المنطقة. طوروا نظاماً رائداً لجلب المياه من العيون، خاصة عين تاكما. قاموا بتوزيعها عبر قنوات “الخطارات” لتزويد المدينة والحمامات والمساجد. في هذه الفترة، توسعت المدينة. Ayrıca “المسجد الأعظم” (الجامع الكبير) تم بناؤه. هذا المسجد لا يزال قائماً بمساحته الكبيرة (3500 متر مربع). تشمل أقواسه 164 قوساً. أصبح هذا المسجد القلب الروحي للمدينة الناشئة.7

2.3 الرونق المريني: المدينة العالمة (القرون 13-15م)

في العهد المريني، تحولت مكناس الإسماعيلية من ثكنة عسكرية إلى حاضرة ثقافية وعلمية، لتصبح “مدينة ظل” للعاصمة فاس. تميز المرينيون باهتمامهم البالغ ببناء المدارس الفقهية، وتعد “المدرسة البوعنانية” بمكناس (التي سنتناولها بالتفصيل لاحقاً) درة هذا العصر.8 تمتعت مكناس في هذه الفترة باستقلال ذاتي نسبي. كما شهدت ازدهارًا اقتصاديًا بفضل الزراعة والصناعة التقليدية. بدأت تستقطب العلماء والفقهاء. زار المنطقة كل من ابن خلدون وابن ميمون.

الفصل الثالث: الثورة الإسماعيلية (1672-1727م).. ميلاد العاصمة الإمبراطورية

التحول الجذري والزلزالي في تاريخ مكناس بدأ سنة 1672م، عندما بويع المولى إسماعيل سلطاناً على المغرب في ظروف سياسية مضطربة. قرر هذا السلطان القوي نقل العاصمة من فاس ومراكش إلى مكناس. حكم لمدة 55 عاماً. كان ذلك قراراً جيوسياسياً سيغير وجه المدينة للأبد.

3.1 لماذا مكناس؟ (قراءة في الجغرافيا السياسية)

لم يكن اختيار المولى إسماعيل لمكناس نزوة، بل قراراً استراتيجياً مدروساً بعناية فائقة:

  1. الأمن والمركزية: كانت فاس ومراكش تموجان بالصراعات السياسية ونفوذ الزوايا الدينية والقبائل القوية. أراد السلطان أرضاً “بكراً” سياسياً، بعيدة عن لوبيات الضغط القديمة، ليبني فيها سلطته المركزية المطلقة.
  2. الموقع والموارد اللوجستية: وفرة المياه (واد بوفكران) والأراضي الخصبة في سهل سايس كانت شرطاً حيوياً لتموين مشروعه العسكري الأضخم. “جيش عبيد البخاري” هو جيش نظامي بلغ تعداده 150 ألف جندي. كان يحتاج إلى كميات هائلة من الغذاء والخيول والمياه، وهو ما وفرته مكناس بسخاء.1
  3. الرمزية والشرعية: سعى المولى إسماعيل لتأسيس عهد جديد يقطع مع الفوضى السابقة. كان بناء عاصمة جديدة من الصفر تقريباً (على أنقاض وتوسعات المدينة القديمة) رسالة قوة للعالم وللقبائل الداخلية. كانت رؤيته هي خلق مدينة تضاهي فرساي لويس الرابع عشر، الملك الفرنسي الذي عاصره وتبادل معه السفراء.

3.2 مشروع “الهدم والبناء” في معالم مكناس الإسماعيلية

لتحقيق حلمه، سخر السلطان إمكانيات هائلة. تشير المصادر إلى أنه هدم أجزاءً من المدينة القديمة (ومن هنا جاءت تسمية ساحة “الهديم”) ليفسح المجال لقصوره وأسواره. عمل في هذا المشروع الضخم عشرات الآلاف من العمال والحرفيين. بالإضافة إلى ذلك، شارك الأسرى المسيحيون في بعض الأعمال الهندسية. هذا الموضوع أثيرت حوله الكثير من الأساطير.1 النتيجة كانت مدينة “جيجانتيكية” (Gigantic) تتميز بالضخامة في كل شيء: الأسوار، المخازن، والساحات.

الفصل الرابع: العمارة الدفاعية والأسوار.. حصن الإمبراطورية

تتميز مكناس عن باقي الحواضر المغربية بطابعها العسكري الطاغي. فالمدينة تبدو وكأنها قلعة لا نهائية، مصممة للصمود أمام أعتى الحصارات.

4.1 الأسوار والأبراج: حزام القوة وتاريخ مدينة مكناس

يبلغ طول الأسوار المحيطة بمكناس الإسماعيلية (المدينة العتيقة والمدينة الإمبراطورية/القصبة) حوالي 40 كيلومتراً، وهو رقم قياسي يعكس هاجس الحماية لدى السلطان.

4.2 باب المنصور لعلج: أيقونة المغرب وتاريخ مدينة مكناس

يُجمع المعماريون والمؤرخون على أن “باب المنصور” هو درة بوابات المغرب، وواحد من أجمل أربعة أبواب تاريخية في العالم5.

باب المنصور

الفصل الخامس: القصبة الإسماعيلية.. مدينة داخل مدينة

خلف الأسوار العالية، بنى المولى إسماعيل مدينته الخاصة “القصبة”، التي كانت مصممة لتكون مكتفية ذاتياً.

5.1 القصور الملكية والحدائق

ضمت القصبة مجموعة من القصور، أشهرها “الدار الكبيرة” (أول قصر بناه السلطان)، و”دار المحنشة”. تميزت هذه القصور باتساعها وانفتاحها على حدائق غناء (رياضات) حيث كانت تلك الحدائق عنصراً أساسياً في التصميم. كما أنها قد اشتملت على “حديقة البحراوية” و”السطينية” وكانت المياه تتدفق عبر نوافير وقنوات. هذا يعكس فلسفة “الجنة الأرضية” في العمارة الإسلامية.

5.2 ضريح المولى إسماعيل: السكينة والوقار

في قلب القصبة، يرقد السلطان المؤسس. يعتبر الضريح من أهم المزارات الدينية والسياحية.

الفصل السادس: البنية التحتية الاستراتيجية (الماء والغذاء)

لم تكن عظمة مكناس في قصورها فقط، بل في بنيتها التحتية “اللوجستية” التي سبقت عصرها، والتي صممت لضمان استمرارية الدولة في وجه الأزمات.

6.1 هري السواني: مخازن الأمن القومي

“الهري” كلمة تعني مخزن الحبوب. يعد “هري السواني” معجزة هندسية؛ فهو مجمع ضخم مكون من قاعات متطاولة ذات سقوف مقببة وجدران سميكة جداً.

6.2 صهريج السواني: هندسة الماء

بجوار الهري، يمتد “صهريج السواني” كبحيرة اصطناعية عملاقة (300 متر طولاً، 140 متر عرضاً، و3 أمتار عمقاً).

الفصل السابع: سجن قارة.. بين الحقيقة والأسطورة

تحت الأرض، وبمحاذاة القصور، يقبع اللغز الأكبر في مكناس: “حبس قارة”. هذا المعلم هو أكثر ما يثير خيال الزوار والروايات الشعبية.

7.1 التصميم المتاهة

هو عبارة عن شبكة ضخمة من القاعات والممرات تحت الأرضية، سقوفها محمولة على سواري ضخمة. مساحته الحقيقية غير معروفة بدقة، حيث يمتد لمسافات شاسعة تحت القصبة. كما أنه يتميز بغياب الأبواب والنوافذ الجانبية، حيث كان الدخول والتهوية يتم عبر فتحات في السقف.6

7.2 الأسطورة: “الداخل مفقود”

تقول الأسطورة إن السجن صممه سجين برتغالي يدعى “قارة” (Cara) وعده السلطان بالحرية إذا بنى سجناً لا مفر منه. وتتحدث الروايات الشعبية عن أن السجن يمتد لعشرات الكيلومترات ليصل إلى مدن أخرى، وأنه مسكون بالأرواح (الجن). القصة الأكثر تداولاً هي قصة “البعثة الفرنسية”. دخلت البعثة لاستكشافه في فترة الحماية ولم يخرج منها أحد. لذلك، دفعت السلطات لإغلاق الممرات العميقة بجدران إسمنتية، تاركة فقط الجزء الأول متاحاً للزيارة.6

7.3 القراءة التاريخية والعقلانية

تشير الدراسات الحديثة إلى تفسير أكثر واقعية. يرجح أن المكان كان يُستخدم كمخازن ضخمة (Silos) للمواد الغذائية والأسلحة والبارود لتموين الجيش. هذه الفرضية تأخذ بعين الاعتبار ظروف الحرارة والرطوبة المناسبة تحت الأرض. ومع ذلك، من المؤكد أنه استُخدم أيضاً كسجن للأسرى المسيحيين والمتمردين، حيث كان يتم إنزالهم بالحبال من فتحات السقف. الجمع بين وظيفة التخزين ووظيفة السجن هو ما يفسر ضخامة المكان.6

الفصل الثامن: الميراث العلمي والروحي

بينما يطغى الطابع العسكري الإسماعلي، لا يمكن إغفال الوجه العلمي لمكناس الذي كرسه المرينيون.

8.1 المدرسة البوعنانية: جوهرة الفن المريني

تعد المدرسة البوعنانية (أسسها أبو الحسن المريني وأتمها ابنه أبو عنان فارس حوالي 1350م) تحفة فنية تخطف الأنفاس.

8.2 ساحة الهديم: مسرح الشعب وتاريخ مدينة مكناس

تقع بين المدينة العتيقة والمدينة الإمبراطورية، وهي الفضاء الذي يربط بين “الشعب” و”السلطة”. تاريخياً، كانت مكاناً لتجميع ركام المباني المهدومة (ومن هنا الاسم). لذلك فاليوم، هي القلب النابض للمدينة وتشبه في وظيفتها ساحة جامع الفنا بمراكش. هناك، يجتمع الحكواتيون، ومروضوا الأفاعي، وبائعو المنتجات التقليدية. هؤلاء الأشخاص يشكلون “تراثاً شفهياً” حياً.

8.3 متحف دار الجامعي

قصر بناه الوزير القوي “الجامعي” في القرن 19. حيث يمثل نموذجاً لرفاهية الطبقة المخزنية: حدائق أندلسية، غرف استقبال فخمة، وزليج رفيع. تحول إلى متحف للفنون الإثنوغرافية. إذ إنه يعرض كنوز الصناعة التقليدية المكناسية: من خشب منقوش، وطرز، ونسيج، وحلي، وفخار، وأسلحة. يقدم صورة عن الحياة اليومية والذوق الفني لأهل مكناس.

الفصل التاسع: مكناس في الميزان الدولي (اليونسكو والسياحة)

9.1 الاعتراف العالمي (1996)

توجت مكناس مسارها التاريخي بتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1996. استند هذا التصنيف إلى المعيار الرابع (Criterion iv). لقد اعتبرت المدينة “نموذجاً استثنائياً وكاملاً لعاصمة مغاربية من القرن السابع عشر”. المدينة تمزج بانسجام بين التخطيط الإسلامي والعسكري وبين التأثيرات الأوروبية والمتوسطية. علاوة على ذلك اعتبرت اليونسكو أن تكامل الأسوار، والقصبة، والمآثر، والنسيج الحضري يعطي للمدينة “قيمة عالمية استثنائية” (Outstanding Universal Value).1

9.2 واقع السياحة والتحديات

رغم هذا الغنى، ظلت مكناس لفترة طويلة في ظل جارتها فاس ومراكش، وتُسوّق غالباً كرحلة ليوم واحد (Day Trip). لكن المدينة تشهد اليوم دينامية جديدة بفضل مشاريع الترميم الملكية (تثمين المدن العتيقة) التي أعادت الحياة لأسوارها وأبوابها.

ترتكز السياحة في مكناس على ثلاثة أقطاب:

  1. السياحة التراثية: استكشاف المآثر والمدينة العتيقة.
  2. السياحة الروحية: بفضل قربها من ضريح مولاي إدريس زرهون.
  3. السياحة الإيكولوجية والفلاحية: كونها عاصمة الزيتون والكروم في المغرب، وقربها من موقع “وليلي” الروماني.10

خاتمة: المدينة التي لا تشيخ

إن مدينة مكناس الإسماعيلية ليست مجرد متحف مفتوح، بل هي درس في التاريخ والسياسة والعمارة. من اسم قبيلة “مكناسة” الذي خلد ذكرى الأمازيغ الأوائل، إلى أسوار المولى إسماعيل التي جسدت حلم الدولة القوية، تظل مكناس “ذاكرة حجرية” تأبى النسيان. إن التجول في أزقتها أو الوقوف أمام باب المنصور ليس مجرد سياحة. هو سفر عبر الزمن لاستحضار لحظات القوة والضعف. هي لحظات الإيمان والطموح، التي شكلت الهوية المغربية وتاريخ مدينة مكناس.

سواء كنت باحثاً عن التاريخ، أو عاشقاً للعمارة، أو سائحاً يبحث عن الأصالة بعيداً عن صخب المدن الكبرى. فإن مكناس تفتح ذراعيها لتروي لك. وعبر كل حجر من حجارتها، تحكي لك قصة “فرساي المغرب” التي تحدت الزمن.

ملاحق وبيانات إحصائية

جدول زمني: أهم المحطات في تاريخ مكناس

يوضح هذا الجدول التسلسل الزمني الدقيق لتطور المدينة، رابطاً بين الأحداث السياسية والتطور العمراني وتاريخ مدينة مكناس.

الفترة الزمنيةالحدث التاريخي والمحطة العمرانيةالسياق العام
القرن 11م (1061م)تأسيس حصن “تاكرارت” من قبل المرابطين.بداية التحضر العسكري للمراقبة.
القرن 12مالعهد الموحدي: بناء المسجد الأعظم وتطوير نظام الخطارات (الري).تحول الحصن إلى تجمع سكني وحضري.
القرن 14م (حوالي 1350م)العهد المريني: بناء المدارس (المدرسة البوعنانية) والمساجد.ازدهار علمي وثقافي (مدينة ظل لفاس).
1672 – 1727مالعهد الإسماعلي (العصر الذهبي): إعلان مكناس عاصمة، بناء الأسوار، القصبة، وهري السواني.تأسيس الدولة المركزية القوية.
1732مإتمام بناء باب المنصور لعلج في عهد السلطان مولاي عبد الله.استمرار الزخم العمراني العلوي.
1755مزلزال لشبونة العظيم.تضرر بعض المآثر (خاصة سقف هري السواني).
1912 – 1956مفترة الحماية الفرنسية: بناء “المدينة الجديدة” (Hamria) خارج الأسوار.ازدواجية النسيج العمراني (عتيق/حديث).
1996متصنيف اليونسكو تراثاً عالمياً.الاعتراف الدولي بالقيمة الاستثنائية للمدينة.

بطاقة تقنية لأهم المآثر التاريخية لمدينة مكناس الإسماعيلية

تلخص هذه البطاقة الأبعاد والخصائص الفريدة لكل معلمة، لتسهيل المقارنة والفهم.

المعلمة التاريخيةالأبعاد / الخصائص التقنيةالوظيفة الأصليةالملاحظات المميزة
أسوار المدينةالطول: ~40 كلم / الارتفاع: 7-15 م / السمك: > 2م.دفاعية، تحصين العاصمة.مبنية بتقنية “التابية” (التراب المدكوك).
باب المنصور لعلجالارتفاع: ~16م / فتحة القوس: 8م.مراسمية (Protocolaire)، قضاء، استقبال سفراء.يحتوي على أعمدة رخامية من وليلي وقصر البديع.
صهريج السواني300م × 140م × 3م (المساحة المائية).خزان مياه استراتيجي، ري الحدائق.كان يُغذى بنواعير مائية (نظام هيدروليكي متطور).
هري السوانيجدران سميكة جداً، قاعات متطاولة مقببة.مخازن حبوب (تموين الجيش والمدينة).صمم للحفاظ على الحبوب لمدة طويلة (تكييف طبيعي).
سجن قارةمساحة شاسعة غير محددة بدقة، 3 قاعات رئيسية ومتاهة.سجن للأسرى + مخازن ومستودعات.معلمة تحت أرضية بالكامل، نسجت حولها الأساطير.
المدرسة البوعنانيةنمط مريني دقيق، فناء مكشوف، طابق علوي للطلاب.تعليمية (مدرسة فقهية) وإقامة طلابية.تتميز بكثافة الزخرفة (جبس، خشب، زليج) ودقتها.

  1. المدينة التاريخية مكناس – مركز التراث العالمي لليونسكو، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  2. ضريح مولاي إسماعيل | معالم المغرب – ممفيس تورز، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  3. مدينة مكناس التاريخيّة – مركز التراث العالمي لليونسكو، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  4. مكناس المغربية.. مدينة السلاطين – مجلة التكوين، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  5. مآثر مدينة مكناس التاريخية – موقع موضوع، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  6. سجن “قارا” في المغرب… أكثر سجون العالم رعباً وغموضاً – اندبندنت عربية، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  7. تاريخ دولة المرابطين وحضارتها (447–541هـ / 1055–1147م) – مجلة أوراق ثقافية، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  8. مكناس المغربية مدينة السلطان ومعالمها الفريدة – نبض العرب، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  9. المدرسة البوعنانية – المجلس الإقليمي للسياحة مكناس، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
  10. How to Spend a Day in Meknes – Lonely Planet، تم الاطلاع عليه في 3 ديسمبر 2025.
Exit mobile version