ثقافات

أمريكا اللاتينية: ما هي، لماذا سميت بهذا الاسم، وما هي دولها؟

أمريكا اللاتينية مصطلح جغرافي وثقافي يُطلَق على منطقة شاسعة في نصف الكرة الغربي من العالم (الأمريكتين). تضم هذه المنطقة معظم بلدان أمريكا الجنوبية وكل بلدان أمريكا الوسطى والمكسيك. بالإضافة إلى ذلك، تشمل عددًا من جزر البحر الكاريبي. يشترك سكانها في إرث ثقافي ولغوي. يعود هذا الإرث إلى تأثير الاستعمارين الإسباني والبرتغالي[1]. تتميز أمريكا اللاتينية بتنوع جغرافي هائل. لديها مجتمعات متعددة الأعراق. فهي موطن لبيئات طبيعية متنوعة من الغابات الاستوائية الكثيفة إلى الجبال الشاهقة والصحاري القاحلة. يقطنها مئات الملايين من السكان من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة. جاء هذا نتيجة قرون من الامتزاج بين الشعوب الأصلية والمستوطنين الأوروبيين والأفارقة[2].

ما هي أمريكا اللاتينية؟

أمريكا اللاتينية هي منطقة قارية تشمل جميع بلدان أمريكا الجنوبية تقريبًا. تشمل أيضًا المكسيك ودول أمريكا الوسطى وبعض جزر الكاريبي. يغلب على سكان هذه المناطق التحدث باللغات المشتقة من اللغة اللاتينية (اللغات الرومانسية). تشمل هذه اللغات اللغة الإسبانية واللغة البرتغالية بشكل أساسي، وأيضًا الفرنسية في بعض المناطق[1]. يُستخدم مصطلح أمريكا اللاتينية لوصف تلك الدول التي كانت تاريخيًا ضمن مستعمرات الإمبراطوريتين الإسبانية والبرتغالية. كان هناك تأثير فرنسي محدود. الغالبية العظمى من سكانها اليوم يتحدثون الإسبانية أو البرتغالية كلغات رسمية. يوجد بلد وحيد يتحدث الفرنسية كلغة رسمية وهو هايتي. تبلغ مساحة هذه المنطقة حوالي 20 مليون كيلومتر مربع. هذا يمثل نحو 14% من إجمالي مساحة اليابسة على الأرض. يُقدَّر عدد سكانها بأكثر من 650 مليون نسمة وفق تقديرات عام 2021. ويجعلها هذا واحدة من أكبر مناطق العالم من حيث المساحة وعدد السكان.

لماذا سميت أمريكا اللاتينية بهذا الاسم؟

سُمّيت أمريكا اللاتينية بهذا الاسم إشارةً إلى اللغات ذات الأصل اللاتيني. هذه اللغات يتحدثها سكانها، وتشمل بشكل أساسي اللغة الإسبانية والبرتغالية والفرنسية[3]. فجميع هذه اللغات تُعتبر من اللغات الرومانسية. إنها مُشتقة تاريخيًا من اللغة اللاتينية التي كانت مستخدمة في عهد الإمبراطورية الرومانية. ومن هنا جاء وصف بلدان تلك المنطقة بأنها لاتينية. ظهر مصطلح “أمريكا اللاتينية” أول مرة في أوساط المفكرين خلال القرن التاسع عشر. استخدمه سياسيون مثل الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث لتأكيد الهوية الثقافية المشتركة لشعوب تلك البلدان. هذه البلدان تتحدث اللغات اللاتينية في مقابل البلدان الأنجلوساكسونية الناطقة بالإنجليزية[4]. نابليون الثالث استخدم هذا المصطلح خلال حملته العسكرية على المكسيك في ستينيات القرن التاسع عشر. اعتبر أن المصطلح يربط فرنسا بتلك الدول بروابط ثقافية لاتينية مشتركة[4].

الجغرافيا والطبيعة في أمريكا اللاتينية

تغطي أمريكا اللاتينية مساحة جغرافية شاسعة تمتد من المناطق المدارية قرب خط الاستواء إلى أطراف القارة الجنوبية الباردة. تضم هذه الرقعة تنوعًا لافتًا من التضاريس والأنماط المناخية. تحتوي المنطقة على سلسلة جبال الأنديز، التي تعد أطول سلسلة جبلية في العالم. تمتد الجبال على طول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية. في الأرجنتين، تحتضن هذه الجبال قمة أكونكاغوا التي يصل ارتفاعها إلى نحو 6960 مترًا.

وإلى الشرق منها، تقع غابات الأمازون المطيرة الشاسعة. هذه الغابات تُعد الأكبر عالميًا. توصف بأنها “رئة الأرض” لدورها الحيوي في إنتاج الأكسجين[2]. كما تحتضن المنطقة صحراء أتاكاما في تشيلي. تعتبر صحراء أتاكاما من أكثر الأماكن جفافًا على وجه الأرض.

ومن جهة أخرى، تُعد شلالات آنجل في فنزويلا أعلى شلال في العالم. يتجاوز ارتفاعه 900 متر. ويضاف إلى ذلك تنوع بيئي فريد. هذا التنوع يشمل أنهارًا عملاقة (مثل نهر الأمازون). كما يشمل بحيرات عالية (مثل تيتيكاكا بين بيرو وبوليفيا). بالإضافة إلى ذلك، توجد سواحل طويلة على المحيطين الأطلسي والهادئ تزخر بالشعاب المرجانية والحياة البحرية.

تعتبر صحراء أتاكاما من أكثر الأماكن جفافًا على وجه الأرض. ومن جهة أخرى، تُعد شلالات آنجل في فنزويلا أعلى شلال في العالم. يتجاوز ارتفاعه 900 متر. ويضاف إلى ذلك تنوع بيئي فريد. هذا التنوع يشمل أنهارًا عملاقة (مثل نهر الأمازون). كما يشمل بحيرات عالية (مثل تيتيكاكا بين بيرو وبوليفيا). بالإضافة إلى ذلك، توجد سواحل طويلة على المحيطين الأطلسي والهادئ تزخر بالشعاب المرجانية والحياة البحرية.

ما هي دول أمريكا اللاتينية؟

يبلغ عدد الدول التي تكوّن أمريكا اللاتينية حوالي 20 دولة مستقلة ذات سيادة. يتضمن التعريف المكسيك. بالإضافة إلى ذلك، هناك 19 دولة أخرى في الأمريكيتين تتحدث شعوبها الإسبانية أو البرتغالية أو الفرنسية. فيما يأتي قائمة بأهم هذه الدول:

  • أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى: المكسيك، غواتيمالا، هندوراس، السلفادور، نيكاراغوا، كوستاريكا، بنما.
  • منطقة الكاريبي: كوبا، جمهورية الدومينيكان، هايتي.
  • أمريكا الجنوبية: الأرجنتين، بوليفيا، البرازيل، تشيلي، كولومبيا، الإكوادور, باراغواي، بيرو، الأوروغواي، فنزويلا.

بالإضافة إلى تلك الدول المستقلة، هناك أيضًا عدة أقاليم في المنطقة تُعد جزءًا من العالم اللاتيني بحكم اللغة والثقافة. فعلى سبيل المثال، يُعتبر بورتوريكو (التابع للولايات المتحدة) منطقة ذات أغلبية ناطقة بالإسبانية ويُدرج غالبًا ضمن نطاق أمريكا اللاتينية. وبالمثل، توجد غيانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية. كما توجد غوادلوب ومارتينيك في البحر الكاريبي. هذه أقاليم تابعة لفرنسا ويتحدث سكانها الفرنسية. لذلك، تعتبر جزءًا من العالم اللاتيني رغم عدم كونها دولًا مستقلة [2]. ومن جهة أخرى، تتبنى بعض التعريفات الجغرافية الأوسع مفهومًا يشمل بلدانًا مثل بليز وغيانا. تشمل أيضًا سورينام وجامايكا ضمن أمريكا اللاتينية. ذلك لكونها واقعة جنوب الولايات المتحدة [5]. لكن التعريف الثقافي السائد يستبعد تلك الدول غير الناطقة باللغات اللاتينية من المصطلح.

اللغات والثقافة في أمريكا اللاتينية

تعتبر اللغة الإسبانية اللغة الرسمية والأكثر انتشارًا في غالبية دول أمريكا اللاتينية. تعد اللغة الرسمية في نحو 18 دولة. تليها اللغة البرتغالية التي تنحصر رسميًا في دولة البرازيل ويتحدث بها حوالي 200 مليون شخص في المنطقة[6]. كما تعد اللغة الفرنسية لغة رسمية في هايتي وبعض الأقاليم التابعة (مثل غوادلوب وغويانا الفرنسية). أيضًا، تُستخدم بعض لغات السكان الأصليين بمثابة لغات رسمية مع الإسبانية في بعض البلدان. فمثلًا، يعترف كل من الباراغواي وبوليفيا بلغات السكان الأصليين (مثل الغواراني والأيمارا والكيتشوا) إلى جانب الإسبانية[6]. وبشكل عام، تنحدر الغالبية العظمى من اللغات المستخدمة في المنطقة من أصول لاتينية (رومانسية). توجد بعض اللغات الأوروبية الأخرى في بضعة دول غير ناطقة بالإسبانية. من بين هذه اللغات، الإنجليزية في بليز وغويانا، والهولندية في سورينام[5].

أما من الناحية الثقافية والدينية، فإن الإرث الإيبيري (الإسباني والبرتغالي) طبع المنطقة بطابعه منذ قرون. يدين معظم سكان أمريكا اللاتينية بالديانة المسيحية الكاثوليكية التي جلبها المستعمرون الأوروبيون. هناك أيضًا أقليات بروتستانتية وغيرها. وتمتزج الثقافات الأوروبية مع ثقافات السكان الأصليين والأفارقة الذين وصلوا كعبيد خلال الحقبة الاستعمارية لتشكّل فسيفساء ثقافية غنية ومتنوعة. تنعكس هذه التركيبة المتنوعة في الفنون والموسيقى واللغة والعادات الاجتماعية في بلدان أمريكا اللاتينية. نشأت في هذه المنطقة أنواع موسيقية عالميّة الشهرة مثل السالسا والتانغو والسامبا. كما تزدهر فيها تقاليد احتفالية فريدة مثل كرنفالات ريو دي جانيرو في البرازيل.

الاقتصاد والتنمية في أمريكا اللاتينية

بشكل عام، تندرج دول أمريكا اللاتينية ضمن فئة الدول النامية أو الأسواق الناشئة. على الرغم من ذلك، يمتلك بعضها اقتصادات كبيرة. تحتل هذه الاقتصادات مراتب متقدمة عالميًا. فعلى سبيل المثال، تُعد البرازيل أكبر اقتصاد في المنطقة. البرازيل تأتي ضمن أكبر عشر اقتصادات في العالم. تمتلك المكسيك والأرجنتين أيضًا اقتصاديات ضخمة ومؤثرة. ومع ذلك، لا يزال مستوى الدخل الفردي والتنمية البشرية متواضعًا نسبيًا في العديد من تلك الدول مقارنةً بالدول المتقدمة. تواجه المنطقة تحديات اقتصادية تشمل معدلات فقر مرتفعة نسبيًا في بعض البلدان. تعاني أيضًا من بطالة نسبية. إلى جانب ذلك، توجد مشكلات عدم المساواة في توزيع الثروة. الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتفاوت بشكل كبير.

تعتمد اقتصادات أمريكا اللاتينية بدرجة كبيرة على تصدير المواد الخام والسلع الأولية. كما تعتمد على الزراعة والتعدين. عديد من دولها منتجة للنفط والمعادن (مثل فنزويلا والمكسيك وتشيلي وبيرو). كما تنتج المحاصيل الزراعية (كالبن وقصب السكر وفول الصويا). سعت دول المنطقة إلى التكامل الاقتصادي فيما بينها. حدث ذلك عبر تكتلات تجارية مثل ميركوسور (السوق الجنوبية المشتركة) واتحاد دول أمريكا الجنوبية. كان الهدف من ذلك تعزيز التعاون التجاري وجذب الاستثمارات.كما تُعد السياحة قطاعًا مهمًا ومتناميًا في اقتصادات كثير من بلدان أمريكا اللاتينية. احتلت المنطقة المرتبة الرابعة عالميًا من حيث إقبال السياح بعد أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا. يعزى ذلك لجاذبية مواردها الطبيعية وثقافتها الفريدة. تستقطب الوجهات السياحية الشهيرة مثل مكسيكو سيتي وريو دي جانيرو. كما تستقطب ماتشو بيتشو في بيرو ملايين الزوار سنويًا. هذا يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المحلي.

لمحة تاريخية عن أمريكا اللاتينية

الحضارات قبل الاستعمار الأوروبي

قبل وصول المستعمرين الأوروبيين، ازدهرت في مناطق أمريكا اللاتينية حضارات متعددة ومتقدمة. بنت شعوب المايا في أمريكا الوسطى وجنوب المكسيك مدنًا ومعابد ضخمة. أقام الأزتيك في وسط المكسيك إمبراطورية قوية. ازدهرت أيضًا إمبراطورية الإنكا في منطقة جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية. بدأت الحقبة الاستعمارية الأوروبية مع وصول المستكشف كريستوفر كولومبوس إلى جزر الكاريبي عام 1492م. تبعت ذلك حملات الغزو الإسبانية والبرتغالية. هذه الحملات أخضعت معظم أراضي الأمريكتين الجنوبية والوسطى للحكم الأوروبي خلال القرون الـ16–18[1]. اقتسمت إسبانيا والبرتغال أراضي العالم الجديد وفق معاهدة تورديسيّاس عام 1494. حصلت إسبانيا على معظم الأراضي غرب ذلك الخط. شمل ذلك أمريكا الوسطى ومعظم أمريكا الجنوبية. في حين استعمرت البرتغال البرازيل. كما أسست فرنسا مستعمرات لها في بعض الجزر الكاريبية (مثل هايتي قبل استقلالها) وفي غويانا الفرنسية بأمريكا الجنوبية.

حركات الاستقلال وتشكّل الهويات الوطنية لأمريكا اللاتينية

انطلقت حركات الاستقلال في أمريكا اللاتينية أوائل القرن الـ19 متأثرةً بالثورات التي شهدتها أوروبا وأمريكا الشمالية. كانت هايتي أول من نال الاستقلال عام 1804م بعد ثورة عبيد ناجحة ضد الحكم الفرنسي. بعد ذلك، اندلعت حروب استقلال في المستعمرات الإسبانية. قاد هذه الحروب شخصيات بارزة. كان من بينهم سيمون بوليفار في شمال أمريكا الجنوبية. ومن الجنوب، خوسيه دي سان مارتين. كذلك، في المكسيك كان ميغيل هيدالغو [3]. وبحلول عام 1825م كانت معظم بلدان أمريكا الإسبانية قد أعلنت استقلالها عن التاج الإسباني. كذلك، أعلنت البرازيل استقلالها عن البرتغال بشكل سلمي عام 1822م. قاد الأمير البرتغالي دوم بيدرو هذه العملية، وتُوّج إمبراطورًا على البرازيل. في النصف الثاني من القرن الـ19، أخذت الدول اللاتينية المستقلة تشق طريقها بصعوبة. كان هذا وسط استمرار الهيمنة الاقتصادية للقوى الكبرى. برز حينها مصطلح “أمريكا اللاتينية” كتعبير عن هوية إقليمية مشتركة في مواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي.

القرن العشرون: التحولات السياسية والاقتصادية في أمريكا اللاتينية

شهد القرن العشرون تقلبات سياسية واقتصادية عديدة في أمريكا اللاتينية. تخللت هذه الفترة فترات من عدم الاستقرار. كما شهدت بعض الدول صراعات داخلية. فقد تعاقبت على دول المنطقة حكومات مدنية وعسكرية. اندلعت ثورات بارزة مثل الثورة الكوبية عام 1959. جعلت كوبا أول دولة تتبنى النهج الشيوعي في نصف الكرة الغربي. خلال حقبة الحرب الباردة تنافست الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية. هذا التنافس أثر بشكل كبير على سياساتها الداخلية. ومع أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، انتقلت معظم دول المنطقة إلى الحكم الديمقراطي. شهدت هذه الدول إصلاحات اقتصادية. ولكنها ما زالت تعمل على مواجهة التحديات التنموية وتعزيز الاستقرار السياسي.

المصادر:

  1. موسوعة بريتانيكا – تعريف أمريكا اللاتينية وحدودها الجغرافية والثقافية.
  2. الصندوق الدولي للتنمية الزراعية – وصف للتنوع الجغرافي في أمريكا اللاتينية.
  3. موقع إجابة – تفسير سبب تسمية أمريكا اللاتينية بهذا الاسم وفق اللغة.
  4. الموقع الرسمي للجيش اللبناني – خلفية تاريخية لمصطلح أمريكا اللاتينية (نابليون الثالث وحملته).
  5. ويكيبيديا العربية – معلومات إحصائية وتاريخية عن أمريكا اللاتينية.
  6. موقع موضوع – مقالات حول دول أمريكا اللاتينية وتاريخها وثقافتها.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى