تاريخ الدولة الأموية: من التأسيس إلى الانهيار والتوسع في الأندلس
تاريخ الدولة الأموية، أو الخلافة الأموية عظيم، فهي إحدى أهم الدول في تاريخ الإسلام. ومن المعروف أن الأمويين حكموا من سنة 41 هـ (662 م) إلى 132 هـ (750 م). وكانت مدينة دمشق عاصمة الخلافة. يمتد تاريخها من زمن معاوية بن أبي سفيان إلى زمن مروان بن محمد. وفي ذروة توسعها امتدت أراضيها من أطراف الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غربا، وفتحت أفريقيا والمغرب والأندلس وجنوب بلاد الغال والسند وما وراء النهر. اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، كما يتم التحدث بالعديد من اللغات الأخرى هناك. وكان نظام الحكم خلافة وراثية، مستخدماً العملة الأموية وهي الدينار والدرهم1. ويعتبر قيام الدولة الأموية نقطة تحول في تاريخ الإسلام، حيث امتد تأثيرها إلى العديد من المناطق والثقافات في ذلك الوقت.
تأسيس الدولة الأموية
تأسست الدولة سنة 41 هـ (662 م) بعد سقوط الخلافة الراشدة، على يد معاوية بن أبي سفيان. والذي كان يشغل قبل ذلك منصب والي الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. وبعد الصراع الذي اعقب فتنة مقتل الخليفة الثالث عثمان ابن عفان رضي الله عنه، ثم مقتل الخليفة الراشد علي ابن ابي طالب رضي الله عنه. آل الملك لمعاوية بن ابي سفيان، والذي قام بنقل العاصمة من المدينة المنورة إلى دمشق.
مراحل تطور الحكم في الدولة الأموية
في العهد الأموي، شهد نظام الحكم تحولًا جذريًا عن ما كان عليه في العهد السابق للخلفاء الراشدين. حيث أدخل معاوية ومن تبعه من ملوك الدولة الأموية مفهوم الملك إلى نظام الحكم. وهو مفهوم مستمد من الأنظمة السياسية الفارسية والبيزنطية التي كانت سائدة في الشرق الأوسط في تلك الحقبة. وبذلك، فقد قطعت الدولة الأموية الصلة مع الماضي السياسي للدولة الإسلامية التي أسسها الخلفاء الأوائل، حيث كان الحكم يقوم على أساس الاستخلاف حسب السابقة والأحقية والبيعة.
أضاف الأمويون صفة الملك إلى الحاكم، وحصروا الحكم بيد سلالة أسرة واحدة، بدءًا من السلالة السفيانية ثم الانتقال إلى السلالة المراونية. وفي إطار هذه السياسة، تم نقل مقر الخلافة الإسلامية من الجزيرة العربية إلى عاصمة ولاية الشام دمشق. وعلى الرغم من هذه التغيرات، لا يمكن إنكار دور الدولة الأموية في تعزيز الاستقرار والتوسع الإسلامي وتنمية البنية التحتية والحضارية في الأراضي التي تمتد إليها دولتهم.
مظاهر الحضارة في الدولة الأموية
تاريخ الدولة الأموية شهد تطورًا حضاريًا ملحوظًا، حيث أبدع الأمويون في العديد من المجالات. دعونا نستعرض بعض مظاهر هذه الحضارة:
العمارة والبناء
أظهر الأمويون اهتمامًا بالبناء والعمارة، حيث شيدوا مدنًا كبيرة وواسعة تعكس روعة العمارة الإسلامية. وقاموا كذلك ببناء المساجد في مناطق مختلفة من الدولة الأموية مثل الشام والحجاز والعراق، مما أسهم في تعزيز الهوية الإسلامية والانتماء الديني. زينوا العاصمة دمشق وغيرها من المدن بأنواع متعددة من الزينة، مما أضفى عليها جمالًا ورونقًا فريدًا.
البنية التحتية
قام الأمويون بحفر قنوات المياه لري المحاصيل في البساتين العامرة بمختلف أنواع المزروعات، مما دعم الزراعة وتعزيز الإنتاج الزراعي. كما استغلوا الأموال الكبيرة التي تدفقت إلى خزانة الدولة من الأمصار لتعزيز حركة الإعمار والبناء. وبناء الطرق والجسور والسدود التي كانت ضرورية للتطور الاقتصادي والاجتماعي.
الثقافة والمجتمع
شهدت الخلافة الأموية الكثير من التطور على المستوى الاجتماعي، حيث كانت تعتبر بمثابة إشارة على تغيير وتأسيس دولة تختلف كثيرا عن سابقتها. من بين تلك المظاهر الجديدة، شيوع مجالس الشعر الأموي التي كانت تلعب دورًا بارزًا غير الذي كان في السابق. حيث استخدمتها الدولة كوسيلة لخدمة أهدافها وسياستها العامة. وكنوع من أنواع الثأثير الثافي والاجتماعي والقوة الناعمة. وكمثال يعد الفرزدق أحد فحول الشعر العربيّ في العصر الأمويّ ومن أشعاره2 :
لَوْ أعْلَمُ الأيّامَ رَاجِعَةً لَنَا،
بكَيتُ على أهْلِ القِرَى من مُجاشِعِ
بَكَيتُ على القَوْمِ الّذينَ هَوَتْ بهِمْ
دَعَائمُ مَجْدٍ كانَ ضَخمَ الدّسائِعِ
إذا ما بكى العَجْعاجُ هَيّجَ عَبْرَةً
لعَيْنَي حَزِينٍ شَجْوُهُ غَيرُ رَاجعِ
فإنْ أبْكِ قَوْمي، يا نَوَارُ،
فإنّني أرَى مَسْجِدَيهِمْ مِنهمُ كالبَلاقِعِ
خَلاءَينِ بَعدَ الحِلْمِ وَالجَهلِ فيهما
وَبَعْدَ عُبابيِّ النّدَى المُتَدافِعِ
سقوط الدولة الأموية وأسبابه
سقطت الدولة الأموية في العام 750 ميلاديًا، عندما تم إطاحة الخليفة الأموي الأخير مروان الثاني على يد العباسيين. أدى ذلك إلى نهاية حكم أسرة بني أمية وبداية حكم أسرة العباسيين في الخلافة الإسلامية. وقد كان ذلك نتيجة لعدة أسباب مترابطة ومتشعبة، بدءًا من الانقسام الداخلي الناتج عن اختيار الخلفاء ونظام الحكم بالوراثة، ومرورًا بتأثير ولاية العهد وظهور العصبية القبلية، وصولاً إلى الأسباب الاقتصادية مثل حرمان الموالي من الامتيازات الاقتصادية. مما زاد من الاضطرابات والصراعات الاجتماعية وأدى في النهاية إلى ضعف الدولة وهز أركانها.
صقر قريش والأندلس
بعد انهيار الدولة الأموية في بلاد الشام، هرب العديد من أفراد بني أمية إلى شمال إفريقيا، حيث كان الوالي عبد الرحمن بن حبيب الفهري يمتلك الولاء لهم، وبعد استقباله لهم بأمان، قاموا بالتحضير لخطوة تاريخية. في ظل هذا السياق، ظهرت شخصية شابة برزت بشجاعتها وتصميمها، إنه عبد الرحمن بن معاوية، وقد استطاع بعد معركة مصارة الشهيرة في عام 138 هـ، أن يتوجه إلى عاصمة الأندلس ويدخلها وهو يحمل مشعل الأمل والتغيير. في لحظة تاريخية، وفي عمر لم يتجاوز الـ 26 عامًا، أسس عبد الرحمن بن معاوية خلافة إسلامية جديدة في أرض الأندلس. مؤسسًا بذلك فصلا جديدًا في تاريخ العالم الإسلامي. وكانت بداية لحقبة من الازدهار الثقافي والحضاري في الأندلس، حيث تعاقب على حكمها ثمانية أمراء من بني أمية.
الإرث الحضاري بعد سقوط الدولة الأموية
بعد سقوط الدولة الأموية، تركت خلافتها إرثًا حضاريًا يمتد عبر العديد من المجالات ويعكس تأثيرها العميق على التطور الثقافي والحضاري في العالم الإسلامي. من أمثلة هذا الإرث:
- العلوم والفلسفة: استمرار التقدم في العلوم والفلسفة، حيث تطورت الرياضيات والفلك والطب. على سبيل المثال، كتب العالم المسلم الشهير الزهراوني كتاب الحاشية على الكتاب المختصر في الحساب الذي يعتبر مرجعًا هامًا في علم الرياضيات.
- الأدب والشعر: استمرار الإنتاج الأدبي والشعري الراقي، حيث ازدهرت الأعمال الأدبية مثل “ديوان الحماسة” لأبي تمام و”ديوان الحكمة” للمتنبي.
- العمارة والفنون: استمرار تطور العمارة الإسلامية، حيث شُيدت مساجد مثل جامع قرطبة وجامع الحكمة في القاهرة، وقصور مثل قصر الحمراء في غرناطة والذي يعتبر واحدا من عجائب الدنيا السبع، مما يعكس روعة الفنون والعمارة في تلك الحقبة.
- التواصل الحضاري: تعزيز التواصل الحضاري بين الشرق والغرب، حيث أثرت الثقافة الإسلامية على الحضارات الأخرى واستوعبت منها، مما أدى إلى ثراء التبادل الثقافي.
هذه الأمثلة تظهر كيف أثرت الدولة الأموية على التطور الحضاري في العالم الإسلامي بعد سقوطها، وكيف تركت إرثًا متميزًا في مختلف المجالات الثقافية والفنية والعلمية.