صلاح الدين الأيوبي ودوره في التاريخ الإسلامي

المحتويات عرض

صلاح الدين الأيوبي وُلد في قلب القرن السادس الهجري، في تكريت، ليكون بداية عهد جديد سيعيد رسم خريطة الشرق الأوسط. لم تكن ولادته مجرد حدث عائلي، بل إرهاصاً بقيادة ستجمع الأمصار وتواجه الغزاة. نشأ في بيئة جيوسياسية معقدة، بين ضعف الخلافة العباسية وصعود الصليبيين في الشام. هذا المشهد هو الذي صقل شخصيته وجعله رمزاً للحكمة العسكرية والسياسية والإدارة الرشيدة.

النقاط رئيسية

  • ولد صلاح الدين الأيوبي في تكريت في عام 1137م، في ظروف جيوسياسية معقدة بين الخلافة العباسية وصعود الصليبيين.
  • تجسدت مسيرته في تحولات استراتيجية، بدءًا من الصعود في بلاط الزنكيين وحتى إلغاء الدولة الفاطمية في مصر.
  • كان صلاح الدين قائدًا عسكريًا بارعًا، قاد معركة حطين عام 1187م، التي أعادت القدس للمسلمين.
  • تحدى الضغوط السياسية والإدارية لتأسيس دولة أيوبية مركزية، مع تعزيز التعليم والتوسع العمراني.
  • قدم صلاح الدين نموذجاً للقائد الذي يجمع بين القوة والتسامح، تاركاً إرثاً خالداً في التاريخ الإسلامي.

1. المشهد الجيوسياسي للقرن السادس الهجري: مخاض الولادة في تكريت

في عام 532 هـ (1137م)، وفي قلب قلعة تكريت الحصينة المطلة على نهر دجلة، لم تكن صرخات الوليد الجديد “يوسف بن أيوب” مجرد إعلان عن قدوم فرد جديد لعائلة “بني أيوب”. بل كانت تلك الصرخات إرهاصاً بميلاد حقبة جديدة. هذه الحقبة ستعيد تشكيل خارطة الشرق الأوسط لقرون قادمة. ولد صلاح الدين في ليلة عصيبة، ليلة اتسمت بالتوتر والرحيل القسري، حيث أجبرت الظروف السياسية والده نجم الدين أيوب وعمه أسد الدين شيركوه على مغادرة القلعة التي كانوا ولاة عليها.1

لفهم شخصية صلاح الدين، يجب أولاً تفكيك البيئة المعقدة التي نشأ فيها. كان العالم الإسلامي حينها يعيش حالة من التشرذم غير المسبوق؛ فالخلافة العباسية في بغداد كانت تعاني من الوهن السياسي، مكتفية بالرمزية الدينية، بينما كان السلاجقة يتنازعون السلطة الفعلية. وفي الغرب، الدولة الفاطمية في مصر كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة. كانت غارقة في الفساد الإداري والصراع المذهبي. وبين هذا وذاك، كانت الإمارات الصليبية في الشام قد نجحت في غرس أقدامها. استفادت من هذا التفكك لبناء ممالك قوية في القدس والرها وأنطاكية وطرابلس.

جدلية الأصول: بين الرواية الكردية والنظرية العربية الأموية

يحتل سؤال “ما هو أصل صلاح الدين الأيوبي؟” مساحة واسعة في النقاشات التاريخية، متجاوزاً كونه تفصيلاً بيوغرافياً ليصبح قضية هوية تتجاذبها السرديات المختلفة.

السردية التقليدية: الأصول الكردية

تشير غالبية المصادر الأكاديمية والمراجع التاريخية المعتمدة إلى أن من صلاح الدين الأيوبي ينحدر من أصول كردية. وبشكل أكثر تحديداً، هو من قبيلة “الروادية”. هذه القبيلة متفرعة عن قبيلة “هذبانية”. وتستند هذه الرواية إلى استقرار العائلة لفترات طويلة في مناطق الأكراد (دوين في أرمينيا ثم العراق)، واندماجهم في النسيج الاجتماعي لتلك المناطق. وقد تبنى هذا الرأي العديد من المؤرخين الذين اعتبروا أن البيئة الكردية هي التي صقلت الخصال الحربية للعائلة.

في المقابل، يبرز تيار بحثي يستند إلى روايات من داخل البيت الأيوبي نفسه، يجادل بأن الأيوبيين هم عرب أقحاح من سلالة بني أمية. وفقاً لهذه السردية، التي فصلها باحثون مثل عبد الرحمن الروقي ومصادر تاريخية نقلت عن الملك الأمجد حسن بن صلاح الدين داوود، فإن العائلة هربت من ملاحقة العباسيين الدموية بعد سقوط الدولة الأموية عام 132هـ (750م)، ولجأت إلى جبال الأكراد للاحتماء.2

السردية الموازية: الجذور العربية الأموية

تشير هذه النظرية إلى ما يمكن تسميته بـ “الاندماج الاستراتيجي”، حيث عاشت العائلة بين الأكراد لمدة تزيد عن 380 عاماً، فتزيا أفرادها بزي الأكراد وتحدثوا لسانهم، لكنهم حافظوا سراً على نسبهم العربي وتناقلوه كابراً عن كابر. ويستدل أنصار هذا الرأي بعدة قرائن:

  1. اللغة الفصحى: بمجرد عودة العائلة إلى المشهد السياسي في بغداد والشام، ظهروا بلسان عربي مبين، متمسكين بالثقافة واللغة العربية الفصحى، مما يشير إلى أنهم لم ينسوا لغتهم الأصلية رغم قرون الغربة.2
  2. الإقرار العلني: وثقت المصادر حادثة الحسن بن غريب الذي عرض شجرة نسب الأيوبيين العربية أمام الملك المعظم في عام 619هـ، ولم يعترض الأمراء الأيوبيون الحاضرون على ذلك، مما يعد إقراراً ضمنياً بصحة النسب.
  3. انتفاء المصلحة السياسية: يحلل الباحثون السياق التاريخي مشيرين إلى أن بني أيوب ظهروا في عصر كان فيه “العجم” (الترك والفرس والسلاجقة) هم أسياد الموقف العسكري والسياسي. فلو كانوا أكراداً، لما احتاجوا لادعاء العروبة، ولو كانوا عرباً، لم يكن في ذلك ميزة سياسية كبرى في بلاط الزنكيين أو السلاجقة. هذا يعزز فرضية أن نسبهم العربي كان حقيقة تاريخية وليس انتحالاً سياسياً.

إن هذا الجدل، الذي وصفه البعض بـ “ثمانية قرون من الالتباس”، لا يقلل من حقيقة أن صلاح الدين تجاوز هذه التصنيفات العرقية ليقدم نفسه كقائد “إسلامي” جامع، وحد العرب والأكراد والتركمان تحت راية سنية واحدة، مستخدماً العقيدة كرابطة تتسامى فوق العصبية القبلية.

2. الصعود في بلاط الزنكيين: التلميذ الذي تفوق على أستاذه

بعد خروجهم من تكريت إثر حادثة قتل شيركوه لأحد القادة العسكريين، توجهت العائلة إلى الموصل، حيث احتضنهم عماد الدين زنكي. نشأ صلاح الدين في كنف الدولة الزنكية، وتشرب مبادئ الجهاد وتوحيد الجبهة الإسلامية من نور الدين محمود زنكي، الذي كان يرى فيه وفي عمه شيركوه أدوات فعالة لتحقيق مشروعه الكبير.

لم يكن صلاح الدين في شبابه مجرد مقاتل، بل كان إدارياً ومفاوضاً، تعلم فنون السياسة في بلاط دمشق. وعندما وجه نور الدين أنظاره صوب مصر، كانت الأقدار تدفع بصلاح الدين نحو مسرح الأحداث الذي سيصنع مجده.

الحملات على مصر: الصراع على وادي النيل

كانت مصر تمثل الجائزة الكبرى في الصراع الاستراتيجي. فالدولة الفاطمية كانت تترنح، والوزراء الفاطميون (شاور وضرغام) يستنجدون تارة بنور الدين وتارة بالصليبيين للحفاظ على كراسيهم. أدرك نور الدين أن وقوع مصر بيد الصليبيين يعني تطويق الشام وخنق العالم الإسلامي اقتصادياً وعسكرياً.

قاد أسد الدين شيركوه، بصحبة ابن أخيه صلاح الدين، ثلاث حملات عسكرية معقدة إلى مصر. في هذه الحملات، أظهر صلاح الدين عبقرية عسكرية مبكرة، خاصة في معركة “البابين” وفي حصار الإسكندرية، حيث صمد بجيش صغير وأحبط محاولات الأسطول الصليبي والجيش الفاطمي الموالي للوزير شاور.

النهاية....من أسقط الدولة الفاطمية؟!

انتهت هذه الدراما السياسية بمقتل الوزير شاور، وتولي أسد الدين شيركوه الوزارة، ثم وفاته المفاجئة، ليجد صلاح الدين نفسه -وهو في ريعان الشباب- وزيراً للخليفة الفاطمي العاضد، وقائداً للجيش الشامي في مصر، وممثلاً لنور الدين زنكي، في وضع سياسي بالغ التعقيد والهشاشة.

3. تفكيك الدولة الفاطمية: استراتيجية التغيير الجذري الهادئ

“لماذا حارب صلاح الدين الدولة الفاطمية؟” هذا السؤال يمثل محوراً جوهرياً لفهم استراتيجية صلاح الدين. لم يكن الصراع مجرد صراع على السلطة، بل كان صراع وجود وهوية.

الأسباب الجوهرية لإنهاء الحكم الفاطمي

  1. الوحدة العقائدية كشرط للنصر: كان صلاح الدين يؤمن، متأثراً بمدرسة نور الدين، أن الانتصار على الصليبيين مستحيل في ظل انقسام الأمة بين خلافة سنية في بغداد وأخرى شيعية إسماعيلية في القاهرة. هذا الانشطار كان يشتت الجهود ويخلق ولاءات متضاربة.3
  2. الخيانة الداخلية: تكشفت لصلاح الدين خيوط مؤامرات تحاك داخل القصر الفاطمي للتعاون مع الصليبيين ضد الوجود الشامي. ولعل أخطرها كانت رسالة الاستنجاد التي أرسلها العاضد (أو حاشيته) إلى ملوك الفرنجة، ومحاولة “مؤتمن الخلافة” التنسيق معهم لطرد صلاح الدين الأيوبي. هذا جعل من بقاء الدولة الفاطمية تهديداً أمنياً مباشراً.
  3. العجز الإداري والاقتصادي: كانت موارد مصر الهائلة مهدرة بسبب الفساد الإداري الفاطمي، وكان لا بد من إعادة هيكلة الاقتصاد المصري لتمويل حروب التحرير القادمة.

خطوات التغيير: من “دار المعونة” إلى “الخطبة العباسية”

لم يتبع صلاح الدين أسلوب الصدمة، بل انتهج سياسة التدرج الذكي لتفكيك الدولة العميقة للفاطميين:

4. هندسة الدولة الأيوبية: الإدارة، العمران، والعلم

بعد استتباب الأمر له في مصر، شرع صلاح الدين في بناء دولة المؤسسات التي يمكنها تحمل أعباء حرب طويلة الأمد.

4.1 الثورة العمرانية: قلعة الجبل وسور القاهرة

أدرك صلاح الدين الأيوبي أن القاهرة المكشوفة لا تصلح عاصمة لدولة في حالة حرب. لذا، أصدر أوامره في عام 572هـ (1176م) ببدء مشروع هندسي عملاق: قلعة الجبل. اختار موقعاً استراتيجياً على جبل المقطم ليشرف على القاهرة والفسطاط، وأوكل المهمة لمهندسه الأول وساعده الأيمن بهاء الدين قراقوش.4

لم تكن القلعة مجرد قصر، بل كانت مدينة عسكرية متكاملة، محصنة بأسوار وأبراج (مثل برج المقطم وبرج الصفة)، ومجهزة بصحاريج المياه ومخازن الحبوب. استمر العمل فيها حتى بعد وفاة صلاح الدين، لتظل مقراً لحكم مصر حتى عهد محمد علي باشا.

إلى جانب القلعة، شرع قراقوش في بناء سور عظيم يحيط بالقاهرة والفسطاط معاً، لتوحيد المدينتين في كيان دفاعي واحد.4

إعادة الاعتبار لبهاء الدين قراقوش

تعرضت شخصية “قراقوش” لتشويه تاريخي ممنهج، تحول معه من مهندس عبقري وقائد فذ إلى رمز للغباء والظلم في الذاكرة الشعبية، والسبب يعود لكتاب ساخر ألفه ابن مماتي (منافس سياسي) بعنوان “الفاشوش في حكم قراقوش”.

إلا أن الحقائق التاريخية تنصف الرجل؛ فقد كان قراقوش:

4.2 القوة الناعمة: المدارس السنية وتوحيد الفكر

كان التعليم هو السلاح الأمضى في ترسانة صلاح الدين. لم يكن هدفه مجرد محو المذهب الشيعي، بل بناء جيل جديد يحمل العقيدة السنية الموحدة (على مذهب الأشاعرة والماتريدية) والمذاهب الفقهية الأربعة.

أنشأ صلاح الدين شبكة واسعة من المدارس، من أبرزها:

  • المدرسة الناصرية: بجوار ضريح الإمام الشافعي، لتدريس المذهب الشافعي.
  • القمحية: التي خصص لها إيرادات القمح، لتدريس المذهب المالكي.
  • المدرسة الصلاحية: التي أسسها في القدس بعد تحريرها (في مكان كنيسة القديسة حنة)، وفي القاهرة أيضاً، لتكون منارة للعلم الشرعي. لقد حولت هذه المدارس مصر من معقل للفاطميين إلى قلعة للسنة، ووفرت الكوادر الإدارية والقضائية اللازمة لإدارة الدولة.

4.3 الإصلاح الإداري: نظام الإقطاع الحربي

ورث صلاح الدين الأيوبي نظاماً إقطاعياً، لكنه طوره ليخدم المجهود الحربي. وزع الأراضي الزراعية كـ “إقطاعات” على قادته وجنوده مقابل التزامهم بتجهيز عدد محدد من الفرسان والمشاة وقت الحرب. ضمن هذا النظام وجود جيش دائم وجاهز للحشد الفوري دون استنزاف الخزينة المركزية بالرواتب الشهرية، كما شجع القادة على الاهتمام بالزراعة في إقطاعاتهم لتعظيم مواردهم.

قسم دولته إلى نيابات (دمشق، حلب، القاهرة، اليمن)، ومنح نوابه (وهم غالباً من إخوته وأبنائه) صلاحيات واسعة في الإدارة المحلية، مع الاحتفاظ بمركزية القرار الاستراتيجي والعسكري، مما خلق توازناً دقيقاً بين المركزية واللامركزية.

5. الطريق إلى حطين: توحيد الجبهة الشامية

بعد وفاة نور الدين زنكي (569هـ)، دبت الفوضى في الشام، وتنازع ورثته السلطة. رأى صلاح الدين الأيوبي أن ترك الشام فريسة للصراعات الداخلية يهدد كل ما بناه في مصر. قاد جيشه نحو دمشق التي فتحت له أبوابها، ثم خاض سلسلة من المعارك والمفاوضات الشاقة لضم حمص وحماة وحلب والموصل.

لم يكن هدفه السلطة لذاتها، بل “توحيد الجبهة”. كتب للخليفة العباسي يشرح موقفه، مؤكداً أن توحيد مصر والشام هو السبيل الوحيد لاسترداد بيت المقدس.

الجدول الزمني لمعارك التوحيد والتحرير

التاريخ (هجري)التاريخ (ميلادي)الحدث المفصليالتأثير الاستراتيجي
564 هـ1169 متولي وزارة مصرالسيطرة على الموارد البشرية والاقتصادية لمصر.
567 هـ1171 مإسقاط الدولة الفاطميةتوحيد العقيدة والولاء السياسي للخلافة العباسية.
570 هـ1174 مضم دمشقربط العمق المصري بالعمق الشامي.
572 هـ1176 مبناء قلعة الجبلتحصين الجبهة الداخلية وقاعدة الحكم.
579 هـ1183 مضم حلبتأمين الجناح الشمالي وحصار الصليبيين من الشرق.
583 هـ1187 ممعركة حطينتحطيم القوة العسكرية الميدانية للصليبيين.
583 هـ1187 متحرير القدستحقيق الهدف العقائدي والسياسي الأسمى.

6. ملحمة حطين واسترداد القدس: ذروة المشروع الأيوبي

في صيف عام 583هـ (1187م)، كانت الظروف قد نضجت للمواجهة الكبرى. استفز أرناط (رينالد دي شاتيون)، حاكم الكرك، المسلمين بقطع طريق الحجاج والتهديد بغزو مكة والمدينة، مما جعل الحرب خياراً لا مفر منه.

استراتيجية حطين: العطش كسلاح

لم يهاجم صلاح الدين الحصون الصليبية مباشرة، بل استدرج جيش مملكة بيت المقدس كاملاً إلى أرض قاحلة قرب طبرية. سيطر صلاح الدين الأيوبي على مصادر المياه في بحيرة طبرية، بينما ترك الصليبيين يسيرون تحت شمس تموز الحارقة وهم يرتدون دروعهم الثقيلة.

في معركة “حطين”، حوصر الجيش الصليبي بين حرارة الشمس، وعطش الحناجر، وسهام الجيش الأيوبي، ونيران الأعشاب التي أشعلها المسلمون حولهم. كانت النتيجة إبادة شبه كاملة للقوة العسكرية الصليبية، ووقع الملك غي دي لوزينيان وكبار قادته في الأسر. قتل صلاح الدين أرناط بيده وفاءً لنذره، بينما أكرم الملك وبقية الأسرى.

تحرير القدس: دخول الفاتحين المتسامحين

بعد حطين، تساقطت المدن الساحلية كأوراق الخريف (عكا، صيدا، بيروت، عسقلان)، مما عزل القدس عن البحر. حاصر صلاح الدين المدينة المقدسة في رجب 583هـ. وبعد قتال عنيف، استسلمت المدينة.

على نقيض ما فعله الصليبيون قبل 88 عاماً حين خاضت خيولهم في دماء المسلمين، دخل صلاح الدين القدس في 27 رجب (ذكرى الإسراء والمعراج) دخولاً حضارياً؛ سمح للمسيحيين بالمغادرة مقابل فدية، وأعفى الفقراء والعاجزين، وحافظ على كنيسة القيامة، مقدماً درساً أخلاقياً في “الجهاد النبيل” الذي يلتزم بقيم الفروسية حتى في ذروة النصر.

7. المواجهة العالمية: الحملة الصليبية الثالثة وريتشارد قلب الأسد

لم تقبل أوروبا بسقوط القدس، فحشدت جيوشها في “الحملة الصليبية الثالثة” بقيادة ثلاثة من أعظم ملوكها: فريدريك بربروسا (إمبراطور ألمانيا)، وفيليب أغسطس (ملك فرنسا)، وريتشارد قلب الأسد (ملك إنجلترا).

صراع الجبابرة: صلاح الدين وريتشارد

رغم الفظائع التي ارتكبها ريتشارد عند استعادته لعكا (قتل آلاف الأسرى المسلمين)، إلا أن المواجهة بينه وبين صلاح الدين اتسمت بطابع فروسي غريب أثار دهشة المؤرخين المعاصرين واللاحقين.

تشير المصادر5 إلى مواقف إنسانية تبادلها الطرفان:

صلح الرملة (1192م): السلام المشرف

بعد فشل ريتشارد في اختراق دفاعات صلاح الدين الأيوبي حول القدس، وتفاقم الخلافات بين الملوك الصليبيين، اضطر الطرفان للجلوس إلى طاولة المفاوضات. انتهت الحرب بـ “صلح الرملة” الذي نص على:

  1. احتفاظ المسلمين ببيت المقدس.
  2. السماح للحجاج المسيحيين بزيارة الأماكن المقدسة دون سلاح.
  3. سيطرة الصليبيين على شريط ساحلي ضيق من صور إلى يافا.
  4. تخريب تحصينات عسقلان لضمان أمن مصر.
    كان هذا الصلح اعترافاً أوروبياً بفشل الحملة في تحقيق هدفها الرئيسي (استعادة القدس)، وتكريساً لشرعية الوجود الأيوبي.

8. الخاتمة: إرث صلاح الدين الأيوبي الخالد والدروس المستفادة

توفي صلاح الدين الأيوبي في دمشق عام 589هـ (1193م)، بعد أن غير وجه التاريخ. مات فقيراً، لم يترك ديناراً ولا درهماً، فقد أنفق كل ثروته في سبيل قضيته. لكنه ترك إرثاً لا يقدر بثمن:

إن الجدل حول أصوله -سواء كان عربياً أم كردياً- يتضاءل أمام حقيقة أنه كان “ابن الإسلام” و”بطل الشرق”. لقد استطاع صلاح الدين أن يصهر مختلف الأعراق والقوميات في بوتقة مشروعه، ليثبت أن القيادة الحقيقية هي التي تبني الجسور، وتوحد الصفوف، وتنتصر للقيم قبل أن تنتصر بالسيف.

  1. صلاح الدين الأيوبي – ويكيبيديا، تم الاطلاع عليه في 18 ديسمبر 2025.
  2. النسب الأيوبي الحقيقي – السلطان صلاح الدين الأيوبي – Weebly، تم الاطلاع عليه في 18 ديسمبر 2025.
  3. الموسوعة التاريخية – صلاح الدين الأيوبي يبدأ بإصلاح مصر وإزالة التشيع منها – الدرر السنية، تم الاطلاع عليه في 18 ديسمبر 2025.
  4. قلعة الجبل | الخليفة – الأثر – القاهرة الإسلامية، تم الاطلاع عليه في 18 ديسمبر 2025.
  5. ذات يوم ..صلاح الدين الأيوبى يوقع «صلح الرملة» مع ريتشارد قلب الأسد – اليوم السابع، تم الاطلاع عليه في 18 ديسمبر 2025.
Exit mobile version